الجمعة، 9 ديسمبر 2016

من أجمل ما قرأت

الأم وطن قبل الوطن. الأم وطن شاسع، ممتد، آمن، باسِم، حاضن. الأم وطن رائع، عادل، حنون، كريم.
الأم وطن لا تَنازع فيه على شرعية، ولا على ثروة، ولا على موقع، ولا على منصب، ولا على سلطة، ولا على جاه.

الأم وطن لا يحتاج إلى جيوش تدافع عن حدوده، ولا إلى دساتير تنظم السلط فيه، ولا إلى قوانين تدبر الأمور بداخله، ولا إلى انتخابات تفصل الأغلبية عن المعارضة وسط نخبته، ولا إلى استفتاءات لاستشارة قواعده، ولا إلى مؤسسات لمحاسبة قادته.
الأم وطن يحكمه عرف جميل، نبيل، عظيم، عرف يضمن الكرامة والحرية والدفء والانتماء والصفح، عرف طاهر حد الخرافة. الأم وطن يحكمه عرف يسمى “الكبدة”، وأمامه تنهار القواعد والتفاصيل.
الأم وطن كبير، وقلب كبير، لا مكان فيه للحسابات الصغيرة الزائلة الركيكة الكئيبة. الأم وحدها، في حضورها، أو في الغياب، قادرة على أن تحقق المستحيل أو ما يشبه المستحيل، بخفقة قلب. الأم، في حضورها أو في الغياب، قادرة على إبداع النبل الجميل. الأم، بروحها في الجسد أو في السماء، تكفي لكي تمسح الحقد مهما كان عميقا، وتكفي لكي تسفه جهد الخصومة في لحظة انهيار صادق. الأم مطهر فعال للروح، وإن اتسخ بدن السياسة.
الأم نداء مصالحة يلقى الصدى من أول دمعة. الأم أشبه باعتذار ممتد، وندم ممتد، وصدق ممتد. والأم وحدها تجمع الذين شتتهم الأهواء، وتنتشل البشر من جبروت العداوات، وتشفي الجراحات مهما غارت.
الأم مؤتمر استثنائي يغير الخطوط السياسية، ويقلب المرجعيات، ويبعثر الإيديولوجيات، ويعيد النظر في البرامج، ويحول الحروب إلى لحظات سكون مثالية.
من كان يتوقع أن يجتمع إلياس العماري وعبد الإله ابن كيران في لحظة دموع؟ من كان يتوقع أن يلتقي الرجلان في لحظة صدق صاف مثلما التقيا في لحظة العزاء؟ من كان يتوقع أن يتعانق الرجلان يوما؟ لا أحد.
من صنع “المعجزة” إذن؟ لم تفعلها نداءات المصالحة، ولا محاولات النقد الذاتي الخجول، ولا دعوات التقارب وتغليب مصلحة الوطن، ولا فعلتها صناديق الاقتراع، ولا الحكومة، ولا البرلمان، ولا قدر على فعلها الحكماء، ولا القادة، ولا فقهاء السياسة، ولا حتى تكهن بها المنظرون ورجال الكواليس والخبراء، بل صنعتها، بلا تخطيط ولا سابق إعداد، روح الراحلة “لالة مفتاحة” .
كانت الصورة مؤثرة للغاية، وأثرها لن ينتهي في حدود اللحظة إياها. علاقة إلياس العماري وعبد الإله ابن كيران (وبلغة الأمهات علاقة إلياس وعبد الإله) ستتغير بلا شك. قد تستمر الخصومة السياسية، وقد يستمر العداء السياسي، لكن حدة الصدام ستخف بكل تأكيد، وربما الارتدادات الإنسانية للحظة البكاء ستغلب أسطورة التماسيح والعفاريت وما جاورها من أبطال معركة طويلة كانت بعنوان “أنا أو لا أحد”.
مهما بلغت درجة الخصومة بينهما مستقبلا ستخف بمجرد أن يتذكر أحدهما لحظة العزاء.
عاشت الأمهات.

*منقول من جدار الصديق رشيد زايزون على الفيسبوك*


من أجمل ما قرأت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق