الثلاثاء، 19 يوليو 2016

قراءة سريعة في ردود فعل مؤيدي محاولة الانقلاب في تركيا

ما ميز مؤيدي محاولة الانقلاب في تركيا هو السطحية في التحليل والعجز عن التنبؤ وتأويل السيناريوهات. ضمن هذا يمكن فهم ردود أفعالهم التي مرت بثلاثة مراحل: التعبير عن السعادة بحدوث الانقلاب / التعبير عن الخيبة بعد فشل الانقلابيين / القول أن الانقلاب هو شيء مفتعل.

ـ السعادة بحدوث الانقلاب هو دليل آخر على أن هؤلاء الناس هم مجرد ديكتاتوريين وصوليين لا تهمهم لا حريات ولا حقوق ولا ديمقراطية، إذ لا يمكن لمن تهمه هذه الأشياء أن يؤيد حكم الجيش. فالجيش لا يضمن أبدا الديمقراطية ولا الحرية.

ـ التعبير عن الخيبة هو رد فعل منطقي مرتبط بالسعادة في المرحلة الأولى. وهؤلاء الناس بمختلف جنسياتهم وتوجهاتهم السياسية التقوا في شيء واحد هو كراهية الخصم، وفي السياسة ينبغي أن تنافس خصمك دون أن تتمنى موته، أو تتواطأ مع من يريد قتله.
ـ القول أن الانقلاب شيء مفتعل، وهذا القول ينبغي الوقوف عنده طويلا، ليس من أجل دحضه أو إثباته، بل من أجل قراءته سيميائيا. فما الذي يمكننا فهمه من هذا القول؟

يمكن أن نفهم أن أصحاب القول هذا ينفون احتمال وجود شعوب حية تنافح عن حريتها في وجه الدبابات، ويتصورون أن الانقلاب ينبغي أن يكون حسب النموذج المصرية: أي أن يعتلي الجنرال الدبابة وينقض على الحكم، ويخرج "المواطنون" ليعبروا عن السعادة وهم واضعون أحذية العسكر على رؤوسهم، وتخرج "المواطنات" للرقص في الشوارع، ويتكلم صحفيون اسودت وجوههم من كثرة الكذب.

يتصورون أن الانقلاب لا بد أن ينجح، لأنهم يتصورون كل الناس أمواتا مثلهم، وإذا لم ينجح، فالأمر مفتعل. ومن تمام غبائهم أنهم لم يقرأوا الرسالة حتى في حالة افتعال الانقلاب، وهي أن الأتراك خرجوا ضد الانقلابيين، ولم ينتظروا المحللين "فائقي" الذكاء ليخبروهم أن الانقلاب مسرحية. فليس الأهم هل النظام حبك القصة أم لا، إنما الأهم هو موقف المواطنين، وإذا كان الأمر تدريبا ـ أو بروفة بلغة الفن ـ فقد بين الأتراك ماذا سيفعلون في حالة انقلاب حقيقي.

ما على مؤيدي الانقلاب سوى استيعاب أنه سواء كان الأمر حقيقة أو افتعالا من طرف النظام الحاكم، فإن الأتراك قالوا: لا. فهم يعرفون جيدا أن العسكر إذا حكموا دولة أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أدلة. وبيت القصيد هو الوقوف ضد حكم الجيش، وليس بالضبط تأييد حزب معين.

الموقف الشعبي يعكس حقيقة مفادها أن الديمقراطية في تركيا ترسخت إلى حد معقول، وهذا القدر المتوفر من الديمقراطية كاف ليضمن للمواطنين الأتراك احترام اختياراتهم السياسية، وحقوقهم المكتسبة، والتخلي عنه لفائدة الجيش يعني الرجوع إلى الخلف وبداية النضال من جديد. وهو ما فهمته المعارضة أيضا، التي ظهر أنها تراهن على التنافس الديمقراطي أكثر من التمسك بحبل العسكر. بصيغة أخرىن المعارضة تجاوزت منطق: عدو عدوي صديقي.

الخلاصة التي يمكن الوصول إليها هي أن الذين أيدوا الانقلاب تحت أي مبرر لا يستحقون شارة النضال الديمقراطي، وآن الأوان لكي يوضعوا في مكانهم الأصلي والمناسب: معسكر الانتهازية والديكتاتورية والانغلاق.

بقلم: روبن هود


قراءة سريعة في ردود فعل مؤيدي محاولة الانقلاب في تركيا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق