الإسلام دين شامل
الإسلام هو دين شامل لكل ما فيه الخير للإنسان، وهو رسالة عامة للإنسان أينما كان، ووقتما كان، فكما هو شامل وعام، فهو صالح لكل مكان وزمان.
ولقد بحث المستشرق (ديسون)[1] سر عالمية الإسلام فتوصل إلى أن مفتاح ذلك يكمن في أنه دين الإنسانية جمعاء، وليس مقصورًا على شعب دون آخر، ويقول: "ذلك أن الإسلام لم يكن دينًا للعرب فحسب، وإنما هو دين الإنسانية من أقصى الأرض إلى أقصاها"[2].
أما الباحث (جورج رو)[3] فينظر إلى عالمية الإسلام في ابتعادها عن الشكلية وأداء الشعائر، فيقول: "ليس الإسلام مجرد شكل، ولا هو مجرد شعائر دينية تتفاوت درجات أصحابها في العمل بها، ولكن الوصف المميز للإسلام هو أنه دين عالمي معمول به أكثر من أي دين غيره"[4].
هذا وإن صلاحية الإسلام وعالميته تستمد قدرتها من أنه يقدم الحل الناجع للإنسانية، من القلق والضياع والخوف على المصير، كما يعطى نموذجًا للحياة الاجتماعية الأفضل، فتقول الباحثة الإيطالية (لورافيشيا فاغليرى): إن الناس ليتلهفون على دين يتفق وحاجاتهم ومصالحهم الدنيوية، ولا يكون قاصرًا على إرضاء مشاعرهم وإحساساتهم، ويريدون أن يكون هذا الدين وسيلة لأمنهم وطمأنينتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وليس هناك دين تتوفر فيه هذه المزايا كلها بشكل رائع سوى الإسلام، إذ أنه ليس مجرد دين فحسب، بل إن فيه حياة للناس، لأنه يعلمهم كيف يحسنون التفكير والكلام، ويحضهم على فعل الخير وصالح الأعمال، ولذلك سرعان ما شق طريقه إلى القلوب والأفهام"[5].
وهذا ما سيُبسطه لنا (إيتيان دينيه) في كتابه (محمد رسول الله) إذ يتحدث عن مميزات الرسالة وعالميتها ودورها الممكن في المستقبل فيقول: "وهناك شىء مهم، وهو انتفاء الوساطة بين العبد وربه، وهذا هو الذى وجدته العقول العملية في الإسلام، لخلوه من الأسرار وعبادة القديسين، ولا حاجة به إلى الهياكل والمعابد لأن الأرض كلها مسجدًا لله، وفوق ذلك قد يجد بعض أهل مذهب الاعتقاد بالله دون غيره من العصريين المتحيرين في التعبير عما يخالج نفوسهم من التطلع، قد يجدون في الإسلام المذهب النقي للاعتقاد بالله، فيجدون فيه أبدع وأسمى أعمال العبادة وما يمكن أن يتخيله من معنى ألفاظ الدعاء، فالإسلام يحقق أبلغ معنى لفضيلة الإيثار على النفس بأقل بحث فيها من الوجهة النظرية. وقد حصل في فرنسا وفى بلاد أخرى من أوروبا وأسيا دخول أشخاص في الإسلام فُرادى، وربما كان ذلك مصداقًا لهذا الحديث النبوي الذى معناه: (قد يؤيد الله هذا الدين بالغرباء منه)[6].
ومن مميزات الإسلام الأصلية: ملائمته لجميع الأجناس البشرية، فلم يكن العرب وحدهم هم الذين اتبعوا الإسلام، بل كان من ضمنهم من هو من فارسي (كسلمان الفارسي)، وبعضهم من النصارى (كورقة بن نوفل) وبعضهم من اليهود (كمخيريق، وعبد الله بن سلام)، وبعضهم من الأحباش (كبلال بن رباح)... وغيرهم، وجاء في القرآن: ? وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ? [سبأ: 28] موضوع تعبير عن التسامح، فدين الرسول محمد صلى الله عليه وسلم؛ قد أكد منذ اللحظة الأولى لظهوره - وفى حياة النبي -؛ أنه دين عام صالح لكل زمان ومكان.
وإذا كان صالحًا بالضرورة لكل جنس كان صالحًا بالضرورة لكل عقل، إذ هو دين الفطرة، والفطرة لا تختلف في إنسان عن آخر، وهو لكل هذا صالح لكل درجة من درجات الحضارة، وهو على ما فيه من تسامح وبساطة، فهو يؤدى للعالم هداية وتوفيقًا، سواء في ذلك الأوروبي المتحضر والزنكي الأسود، من غير أن يعوق حرية الفكر عند أحدهما، ثم يزيد على ذلك بالنسبة للزنكي انتشاله من عبادة الأوثان. ثم هو لا يعوق الرجل العملي الذى يرى حياته في العمل، ويعتبر الوقت من ذهب، كالرجل الإنجليزي وكذلك لا يعوق الرجل الشرقي المتأمل في بدائع الصنع، ويأخذ بيد الغربي المأخوذ بسحر الفن والخيال، وليس هذا فحسب بل هو يستولى على لُب الطبيب العصري أيضًا، لما فيه من الطهارة المتكررة في اليوم والليلة، وتناسق حركات المصلى في الركوع والسجود، وما فيها من نماء للجسم، وإفادة للصحة الجسمية والنفسية!!
وعلى هذا؛ فليس من الجرأة إذًا أن نظن أنه إذا هدأت الزوبعة المروعة القائمة ضد الإسلام، وضَمِن هو الاحترام لكل الشعوب والديانات أنه سيرى مستقبلًا حافلًا وأعظم الآمال وأعلاها شأنا. فإذا ما دخل في الحضارة الأوروبية بفضل اشتراكه العظيم في الحوادث، فسيتضح سناه الحقيقي، وستعرف الأمم المختلفة حقيقته التي حُجبت عنهم زمنًا، وسَيمُد كل واحد يده لمحالفته، متنافسين في ذلك، لأن قيمته قد خبروها، وعرفوا ما يستكن فيه من وسائل القوة التي لا حد لها ولا نفاد.. "[7].
وتظهر عالمية الإسلام في معالجته لقضايا كثيرة احتارت فيها الهيئات والحكومات والمنظمات، وخُصصت لها الاجتماعات والمؤتمرات وسُنَّت لها القوانين، مثل قضايا: الرق والاستعباد، وحقوق الإنسان، والزنا ومخاطره، والربا ونظم الاقتصاد، وكيف كان تعامل الإسلام مع الجريمة بأشكالها... من سرقة وقتل واعتداء على الغير.
فمعَ إفلاس الحضارة الغربية التي أثارت حربين عالميتين، وظهور العالم الثالث كقوة ما بين المعسكرين الشرقي والغربي، شُرع بالتفكير جديًّا بوجود نظام عالمي جديد، ووجد كثير من المفكرين والمستشرقين في الغرب أن النظام الإسلامي هو مركب الإنقاذ لخلاص البشرية، وأنه يقدم السبيل الصحيح كمنظومة اجتماعية سياسية، واقتصادية روحية، يقول المفكر الإيرلندي (برناردشو)[8] فن الكتابة: "إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد، هذا النبي الذى وضع دينه دائمًا موضع الاحترام والإجلال، فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالد خلود الأبد، وانى أرى كثيرًا من بنى قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في القارة الأوروبية بعد هذه الحرب، وإذا أراد العالم النجاة من شروره فعليه بهذا الدين، إنه دين التعاون والسلام والعدالة في ظل شريعة محكمة، لم تدع أمرًا من أمور الدنيا إلا رسمته ووزنته بميزان لا يخطئ أبدًا "[9].
إن الإسلام في القرن العشرين، أخذ يظهر كقوة عالمية يستمد قوته، ليس من القدرة العسكرية الاقتصادية، التي تحمل مخاطر إشعال الحرائق والحروب تنافسًا على الثروة، وفرضًا لمبدأ الهيمنة، بل كمقدم لمشروع حضاري إنساني متكامل، حاملًا الخلاص للعالم، والنجاة للإنسانية المهددة بالانهيار الروحي والتشويه الإنساني، وانحطاط القيم الثقافية والحضارية... يقول المفكر الفرنسي (مارسيل بوازار)[10] في كتابه (إنسانية الإسلام): "وتسمح ديمومة القناعة الدينية بالتشديد على صلاح الإسلام للزمن الراهن عن طريق أمثلة مستقاة من الحقبة المعاصرة ومن الماضي، وقد احتفظنا من القانون الإسلامي بما اعتبرناه ثابتًا لا يتحول، لا بوصفه قواعد ابتدعها أو استنتجها الفقهاء، إنما بوصفه تعبيرًا عن إجراء روحي مرتبط بحضارة خاصة، وجوهر لقانون وهبه الخلاق العليم جل جلاله، فهو من هذه الناحية، وبصورة عامة جدًا، مثالي وثابت، وهكذا اهتم التفكير القانوني بالمحافظة على النظام المجتمعي أكثر من اهتمامه ببناء مجتمع، وراح يتطور مع نمو المجتمع، وأكسبه مظهره الذممي مرانًا كبيرًا، ولم يعمل المظهر القانوني على عكس صورة عن الواقع بالتطابق مع الأحداث، بل كان مفروضًا فيه على العكس أن يوجهها بوصفه علمًا نظريًا مرتبطًا مع الأحداث، بل كان مفروضًا فيه على العكس أن يوجهها بوصفه علمًا نظريًا مرتبطًا بجوهر القانون –الوحي– وخاضعًا له، كما أن الأغصان جزء من الشجرة، وقد كان من الممكن أن تتلاقى الواقعية العملية الممارسة في حدود الأطر التي فرضها نظام أسمى اقتصار القانون على مَثَلٍ أعلى مجرد أو على نمط سلوك لا يمكن بلوغه، وباختصار، بدا لنا أن روح القانون الإسلامي أصلح لبحثنا من طريقة تطبيقه"[11].
ويتابع الباحث فكرته، فيقول: "ويبرز الإسلام مظهره التقليدي في النقاش الدائر حول مختلف مفاهيم الإنسانية في المستقبل، وتعتمد حركيته على استقامة المسلمين طوال القرون، وعلى محاولة لردّ الاعتبار تاريخيًا إلى المجتمع الإسلامي"[12].
ولقد تناول المستشرق النمساوى (ليوبلد فايس) الذى اعتنق الإسلام وعرف باسم (محمد أسد)، في كتابه (الإسلام في مفترق الطرق) موضوع روح الإسلام الذى جاء لخير البشر جميعًا ولصالح الإنسانية قاطبة، يقول محمد أسد: "نحن نعد الإسلام أسمى من سائر النظم المدنية، لأنه يشمل الحياة بأسرها؛ إنه يهتم اهتمامًا واحدًا بالدنيا والآخرة، وبالنفس والجسد، وبالفرد والمجتمع، إنه لا يهتم فقط لما في الطبيعة الإنسانية من وجود الإمكان إلى السمو، بل يهتم أيضًا لما فيها من قيود طبيعية... إنه لا يحملنا على طلب المحال، ولكنه يهدينا إلى أن نصل إلى مستوى أسمى من الحقيقة حيث لا شقاق ولا عداء بين الرأي وبين العمل، إنه ليس سبيلًا بين السبل، ولكنه السبيل، وإن الرجل الذي جاء بهذه التعاليم ليس هاديًا من الهداة، ولكنه الهادي الكامل، فاتِّباعه في كل ما فعل وما أمر اتِّباع للإسلام عينه، وأما اطّراح سنته فهو اطّراح لحقيقة الإسلام"[13].
فالإسلام يقدم حلًا للمعضلة الإنسانية ولقضايا البشر، إنه خيار اجتماعي سياسي، وحين تعقد المقارنة ما بين الخيار الإسلامي والخيارات الأخرى تظهر أرجحية الإسلام على ما سواه، كرسالة عالمية تحمل الحلول العملية لقضايا الإنسان.
الإسلام هو دين شامل لكل ما فيه الخير للإنسان، وهو رسالة عامة للإنسان أينما كان، ووقتما كان، فكما هو شامل وعام، فهو صالح لكل مكان وزمان.
ولقد بحث المستشرق (ديسون)[1] سر عالمية الإسلام فتوصل إلى أن مفتاح ذلك يكمن في أنه دين الإنسانية جمعاء، وليس مقصورًا على شعب دون آخر، ويقول: "ذلك أن الإسلام لم يكن دينًا للعرب فحسب، وإنما هو دين الإنسانية من أقصى الأرض إلى أقصاها"[2].
أما الباحث (جورج رو)[3] فينظر إلى عالمية الإسلام في ابتعادها عن الشكلية وأداء الشعائر، فيقول: "ليس الإسلام مجرد شكل، ولا هو مجرد شعائر دينية تتفاوت درجات أصحابها في العمل بها، ولكن الوصف المميز للإسلام هو أنه دين عالمي معمول به أكثر من أي دين غيره"[4].
هذا وإن صلاحية الإسلام وعالميته تستمد قدرتها من أنه يقدم الحل الناجع للإنسانية، من القلق والضياع والخوف على المصير، كما يعطى نموذجًا للحياة الاجتماعية الأفضل، فتقول الباحثة الإيطالية (لورافيشيا فاغليرى): إن الناس ليتلهفون على دين يتفق وحاجاتهم ومصالحهم الدنيوية، ولا يكون قاصرًا على إرضاء مشاعرهم وإحساساتهم، ويريدون أن يكون هذا الدين وسيلة لأمنهم وطمأنينتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وليس هناك دين تتوفر فيه هذه المزايا كلها بشكل رائع سوى الإسلام، إذ أنه ليس مجرد دين فحسب، بل إن فيه حياة للناس، لأنه يعلمهم كيف يحسنون التفكير والكلام، ويحضهم على فعل الخير وصالح الأعمال، ولذلك سرعان ما شق طريقه إلى القلوب والأفهام"[5].
وهذا ما سيُبسطه لنا (إيتيان دينيه) في كتابه (محمد رسول الله) إذ يتحدث عن مميزات الرسالة وعالميتها ودورها الممكن في المستقبل فيقول: "وهناك شىء مهم، وهو انتفاء الوساطة بين العبد وربه، وهذا هو الذى وجدته العقول العملية في الإسلام، لخلوه من الأسرار وعبادة القديسين، ولا حاجة به إلى الهياكل والمعابد لأن الأرض كلها مسجدًا لله، وفوق ذلك قد يجد بعض أهل مذهب الاعتقاد بالله دون غيره من العصريين المتحيرين في التعبير عما يخالج نفوسهم من التطلع، قد يجدون في الإسلام المذهب النقي للاعتقاد بالله، فيجدون فيه أبدع وأسمى أعمال العبادة وما يمكن أن يتخيله من معنى ألفاظ الدعاء، فالإسلام يحقق أبلغ معنى لفضيلة الإيثار على النفس بأقل بحث فيها من الوجهة النظرية. وقد حصل في فرنسا وفى بلاد أخرى من أوروبا وأسيا دخول أشخاص في الإسلام فُرادى، وربما كان ذلك مصداقًا لهذا الحديث النبوي الذى معناه: (قد يؤيد الله هذا الدين بالغرباء منه)[6].
ومن مميزات الإسلام الأصلية: ملائمته لجميع الأجناس البشرية، فلم يكن العرب وحدهم هم الذين اتبعوا الإسلام، بل كان من ضمنهم من هو من فارسي (كسلمان الفارسي)، وبعضهم من النصارى (كورقة بن نوفل) وبعضهم من اليهود (كمخيريق، وعبد الله بن سلام)، وبعضهم من الأحباش (كبلال بن رباح)... وغيرهم، وجاء في القرآن: ? وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ? [سبأ: 28] موضوع تعبير عن التسامح، فدين الرسول محمد صلى الله عليه وسلم؛ قد أكد منذ اللحظة الأولى لظهوره - وفى حياة النبي -؛ أنه دين عام صالح لكل زمان ومكان.
وإذا كان صالحًا بالضرورة لكل جنس كان صالحًا بالضرورة لكل عقل، إذ هو دين الفطرة، والفطرة لا تختلف في إنسان عن آخر، وهو لكل هذا صالح لكل درجة من درجات الحضارة، وهو على ما فيه من تسامح وبساطة، فهو يؤدى للعالم هداية وتوفيقًا، سواء في ذلك الأوروبي المتحضر والزنكي الأسود، من غير أن يعوق حرية الفكر عند أحدهما، ثم يزيد على ذلك بالنسبة للزنكي انتشاله من عبادة الأوثان. ثم هو لا يعوق الرجل العملي الذى يرى حياته في العمل، ويعتبر الوقت من ذهب، كالرجل الإنجليزي وكذلك لا يعوق الرجل الشرقي المتأمل في بدائع الصنع، ويأخذ بيد الغربي المأخوذ بسحر الفن والخيال، وليس هذا فحسب بل هو يستولى على لُب الطبيب العصري أيضًا، لما فيه من الطهارة المتكررة في اليوم والليلة، وتناسق حركات المصلى في الركوع والسجود، وما فيها من نماء للجسم، وإفادة للصحة الجسمية والنفسية!!
وعلى هذا؛ فليس من الجرأة إذًا أن نظن أنه إذا هدأت الزوبعة المروعة القائمة ضد الإسلام، وضَمِن هو الاحترام لكل الشعوب والديانات أنه سيرى مستقبلًا حافلًا وأعظم الآمال وأعلاها شأنا. فإذا ما دخل في الحضارة الأوروبية بفضل اشتراكه العظيم في الحوادث، فسيتضح سناه الحقيقي، وستعرف الأمم المختلفة حقيقته التي حُجبت عنهم زمنًا، وسَيمُد كل واحد يده لمحالفته، متنافسين في ذلك، لأن قيمته قد خبروها، وعرفوا ما يستكن فيه من وسائل القوة التي لا حد لها ولا نفاد.. "[7].
وتظهر عالمية الإسلام في معالجته لقضايا كثيرة احتارت فيها الهيئات والحكومات والمنظمات، وخُصصت لها الاجتماعات والمؤتمرات وسُنَّت لها القوانين، مثل قضايا: الرق والاستعباد، وحقوق الإنسان، والزنا ومخاطره، والربا ونظم الاقتصاد، وكيف كان تعامل الإسلام مع الجريمة بأشكالها... من سرقة وقتل واعتداء على الغير.
فمعَ إفلاس الحضارة الغربية التي أثارت حربين عالميتين، وظهور العالم الثالث كقوة ما بين المعسكرين الشرقي والغربي، شُرع بالتفكير جديًّا بوجود نظام عالمي جديد، ووجد كثير من المفكرين والمستشرقين في الغرب أن النظام الإسلامي هو مركب الإنقاذ لخلاص البشرية، وأنه يقدم السبيل الصحيح كمنظومة اجتماعية سياسية، واقتصادية روحية، يقول المفكر الإيرلندي (برناردشو)[8] فن الكتابة: "إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد، هذا النبي الذى وضع دينه دائمًا موضع الاحترام والإجلال، فإنه أقوى دين على هضم جميع المدنيات، خالد خلود الأبد، وانى أرى كثيرًا من بنى قومي قد دخلوا هذا الدين على بينة، وسيجد هذا الدين مجاله الفسيح في القارة الأوروبية بعد هذه الحرب، وإذا أراد العالم النجاة من شروره فعليه بهذا الدين، إنه دين التعاون والسلام والعدالة في ظل شريعة محكمة، لم تدع أمرًا من أمور الدنيا إلا رسمته ووزنته بميزان لا يخطئ أبدًا "[9].
إن الإسلام في القرن العشرين، أخذ يظهر كقوة عالمية يستمد قوته، ليس من القدرة العسكرية الاقتصادية، التي تحمل مخاطر إشعال الحرائق والحروب تنافسًا على الثروة، وفرضًا لمبدأ الهيمنة، بل كمقدم لمشروع حضاري إنساني متكامل، حاملًا الخلاص للعالم، والنجاة للإنسانية المهددة بالانهيار الروحي والتشويه الإنساني، وانحطاط القيم الثقافية والحضارية... يقول المفكر الفرنسي (مارسيل بوازار)[10] في كتابه (إنسانية الإسلام): "وتسمح ديمومة القناعة الدينية بالتشديد على صلاح الإسلام للزمن الراهن عن طريق أمثلة مستقاة من الحقبة المعاصرة ومن الماضي، وقد احتفظنا من القانون الإسلامي بما اعتبرناه ثابتًا لا يتحول، لا بوصفه قواعد ابتدعها أو استنتجها الفقهاء، إنما بوصفه تعبيرًا عن إجراء روحي مرتبط بحضارة خاصة، وجوهر لقانون وهبه الخلاق العليم جل جلاله، فهو من هذه الناحية، وبصورة عامة جدًا، مثالي وثابت، وهكذا اهتم التفكير القانوني بالمحافظة على النظام المجتمعي أكثر من اهتمامه ببناء مجتمع، وراح يتطور مع نمو المجتمع، وأكسبه مظهره الذممي مرانًا كبيرًا، ولم يعمل المظهر القانوني على عكس صورة عن الواقع بالتطابق مع الأحداث، بل كان مفروضًا فيه على العكس أن يوجهها بوصفه علمًا نظريًا مرتبطًا مع الأحداث، بل كان مفروضًا فيه على العكس أن يوجهها بوصفه علمًا نظريًا مرتبطًا بجوهر القانون –الوحي– وخاضعًا له، كما أن الأغصان جزء من الشجرة، وقد كان من الممكن أن تتلاقى الواقعية العملية الممارسة في حدود الأطر التي فرضها نظام أسمى اقتصار القانون على مَثَلٍ أعلى مجرد أو على نمط سلوك لا يمكن بلوغه، وباختصار، بدا لنا أن روح القانون الإسلامي أصلح لبحثنا من طريقة تطبيقه"[11].
ويتابع الباحث فكرته، فيقول: "ويبرز الإسلام مظهره التقليدي في النقاش الدائر حول مختلف مفاهيم الإنسانية في المستقبل، وتعتمد حركيته على استقامة المسلمين طوال القرون، وعلى محاولة لردّ الاعتبار تاريخيًا إلى المجتمع الإسلامي"[12].
ولقد تناول المستشرق النمساوى (ليوبلد فايس) الذى اعتنق الإسلام وعرف باسم (محمد أسد)، في كتابه (الإسلام في مفترق الطرق) موضوع روح الإسلام الذى جاء لخير البشر جميعًا ولصالح الإنسانية قاطبة، يقول محمد أسد: "نحن نعد الإسلام أسمى من سائر النظم المدنية، لأنه يشمل الحياة بأسرها؛ إنه يهتم اهتمامًا واحدًا بالدنيا والآخرة، وبالنفس والجسد، وبالفرد والمجتمع، إنه لا يهتم فقط لما في الطبيعة الإنسانية من وجود الإمكان إلى السمو، بل يهتم أيضًا لما فيها من قيود طبيعية... إنه لا يحملنا على طلب المحال، ولكنه يهدينا إلى أن نصل إلى مستوى أسمى من الحقيقة حيث لا شقاق ولا عداء بين الرأي وبين العمل، إنه ليس سبيلًا بين السبل، ولكنه السبيل، وإن الرجل الذي جاء بهذه التعاليم ليس هاديًا من الهداة، ولكنه الهادي الكامل، فاتِّباعه في كل ما فعل وما أمر اتِّباع للإسلام عينه، وأما اطّراح سنته فهو اطّراح لحقيقة الإسلام"[13].
فالإسلام يقدم حلًا للمعضلة الإنسانية ولقضايا البشر، إنه خيار اجتماعي سياسي، وحين تعقد المقارنة ما بين الخيار الإسلامي والخيارات الأخرى تظهر أرجحية الإسلام على ما سواه، كرسالة عالمية تحمل الحلول العملية لقضايا الإنسان.
الاسلام دين شامل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق